فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارا بربوبيته، وإرغاما لمن جحد به وكفر،
وأشهد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة،
وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات
جهل المسلمين بعناية الإسلام بالبيئة
أيها الأخوة الكرام، حديث ذو شجون، الحديث عن البيئة لأن هذه البيئة نعيش فيها، فإن فسدت فسدت صحتنا،
وإن صلحت قويت أجسامنا، وكأن البيئة شغل العالم اليوم، والإسلام بمنهجه الرباني ليس بعيداً عن هذا الموضوع
بل هناك توجيهات دينية لو طبقت لكنا في حال غير هذا الحال، القاعدة الفقهية الأساسية في موضوع البيئة
[ مسلم عن أبي سعيد الخدري]
قاعدة فقهية جامعة مانعة، الضرر ممنوع أن تحدثه، محرم عليك
أن تحدثه، والضرار أن تذيل الضرر بضرر آخر، هذا أصل في العلاقة في البيئة
أيها الأخوة، الهواء ملوث، الماء ملوث، التربة ملوثة، التصحر يستشري، نقص الغذاء، انتشار الأمراض، عدم النظافة،
انقراض النبات والحيوان، تغير المناخ، طبقة الأوزون التي عطبت، ممارسات بشرية خاطئة
بعد عن تعاليم السماء، هذه المشكلة يعاني منها العالم
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة أن الذي يسبب هذا ظروف سلبية، آثار طبيعية وكيماوية وصحراوية تمس الحياة البحرية
والحياة الجوية، والنباتية، والاجتماعية، برد ليس معهود من قبل، أمراض لم تكن معهودة من قبل
مياه تنضب، حرارة ترتفع
هذه الظواهر يفسرها العلماء بتغير البيئة، والذي يغيرها هو الإنسان، والآية الكريمة
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ
[ سورة النساء: 119 ]
الله عز وجل أراد للبيئة أن تكون نظيفة فالإنسان بطموحه الدنيوي والمادي لوثها وأفسدها
البيئة هي النعم الظاهرة والباطنة التي أنعمها الله على الإنسان
قال تعالى
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَما في الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
[ سورة لقمان الآية: 20 ]
فالبيئة النظيفة، الهواء النظيف، الماء النظيف، الحياة النظيفة، الوضع الطبيعي، النبات الذي ينمو بلا مسمدات
بلا مواد كيماوية، بلا مواد مسرطنة، الفواكه التي تنمو بلا هرمونات، هناك تغيير لخلق الله، الدجاجة تنمو إلى وزن
كيلو بأربعين يوماً عن طريق الهرمونات، هذه الهرمونات تتراكم في جسم الإنسان
أنا أعزو عدداً من الأمراض كبيراً جداً إلى التغيير في طعامنا وشرابنا، هناك خطأ في العصر
فلذلك في مناسبات يوم البيئة الذي يشغل العالم كله لابدّ أن يكون للإسلام نظر وتوجيه في هذا الموضوع
فإذا قال الله عز وجل
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
[ سورة لقمان: 20 ]
البيئة هذه النعم الظاهرة والباطنة
من أسباب فساد البيئة قطع الأشجار
أيها الأخوة الكرام، أحد الأسباب إلى فساد البيئة قطع الأشجار، هل تصدقون أن عدد مساحة الغابات الآن
أربعة وعشرون مليون كيلو متر مربع وكان سبعة وثلاثين
هل تصدقون أن ثمانية عشر مليون هكتار سنوياً تنتقل من أراض تزرع إلى أراض صحراوية، سميت التصحر
التصحر يتغلغل في حياتنا، الرعي الجائر، مبيدات حشرية، مبيدات كيماوية مسرطنة، النباتات الاستوائية قلعت
طبعاً لأخشاب الأشجار، ما يقطع كل عام من الأشجار يساوي مساحة النمسا
النمسا بلد في أوربا هذه المساحة كل عام تخسرها الأرض من الأشجار، لذلك قال تعالى فيما يتعلق بإفساد البيئة
وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[ سورة البقرة:211 ]
هناك عقاب لهذا الإنسان المتأله في هذا العصر الذي أراد الدنيا، وأراد إفسادها من أجل أن يربح
من توجيهات النبي عليه الصلاة و السلام في موضوع البيئة
زراعة الأرض وعدم احتجازها لذلك من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام
(( مَنْ كانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَو لِيَمْنَحْهَا أَخاهُ ))
[ متفق عليه عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
الأرض يجب أن تزرع، لأن النتائج الإيجابية من زراعة الأرض لا تعد ولا تحصى، يتبدل الطقس
تنهمر الأمطار حينما نزرع الأشجار، تسعون دولة الآن تواجه التصحر
انخفاض الإنتاج الزراعي في العالم 40%، كل عام ينخفض الإنتاج الزراعي و الأراضي الزراعية
أيها الأخوة، بعضهم أحصى خسائر التصحر بستة وعشرين ألف مليون كل عام
استصلاح الأراضي
أيها الأخوة الكرام، قال النبي عليه الصلاة والسلام
(( مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ فِي خِلَافَتِهِ ))
[ متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]
ولعل هذا يقترب من مفهوم الإصلاح الزراعي، أنت تملك أرضاً ينبغي أن تزرعها
(( مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ فِي خِلَافَتِهِ ))
[ متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]
أي في بعض التوجيهات النبوية، من زرع أرضاً جدباء فهي له، يتملكها، من أجل أن نحول اللون البني إلى لون أخضر
فنحن مكلفون أن نحول هذا من بني إلى أخضر فكيف الذي يحول الأخضر إلى بني، وهذا يجري في الدول النامية
غرس الأشجار
(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ))
[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
ما الذي يحصل؟ الناس يتاجرون بالأراضي، أرض بور، غير مزروعة، جرداء، قاحلة، لم يستخرج منها الماء
ترتفع مئات الأضعاف فهذا الربح وهمي، ربح إسفنجي، ربح لا يقدم ولا يؤخر
هذا الربح هو أساس التضخم النقدي الذي هو آفة العصر حينما يتاجر الناس بالقيم الثابتة من دون أن يقدموا شيئاً
للمجتمع أي هذا الذي زرع أرضاً في أي مكان في القطر
زرعها تفاحاً، وجاء بكميات طرحت في الأسواق، ساهم بتخفيض السعر
أما الذي اشترى أرضاً وباعها لا أقول هذا ممنوع، لكن ينبغي هذا أن يمنع من قبل أولي الأمر
أن المتاجرة بالأراضي يرفع أسعارها إلى أضعاف مضاعفة دون أن ينتفع الناس من هذا الربح الطائل إطلاقاً
من أبلغ ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في موضوع الزراعة
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
[ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
إذا قامت القيامة، سمعت في بلد خليجي أن عقاب من يقطع شجرة مليون بالليرات السورية، مبلغ فلكي،
هذه الشجرة تغير الطقس، تجلب الأمطار، تحقق الظلال، تحقق جمالاً طبيعياً،
والله الشجرة كأنها معمل صامت يقدم لك الثمار
يعطيك الظل ويعطيك منظراً جمالياً، لا صوت، ولا ضجيج
العناية بالشجرة من توجيهات هذا الدين العظيم
والله عز وجل يقول
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً
وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ
[سورة الأنعام:141]
أي هذه من نعم الله علينا، الشجرة نعمة كبيرة جداً، هناك فوائد لا تعد ولا تحصى منها،
فلذلك من توجيهات هذا الدين العظيم العناية بالشجرة
الآن أحدث البحوث عن زيت الزيتون، و المادة الدسمة الأولى في حياة الإنسان، هذا الزيت يلين الشرايين ويؤخر تصلبها
وهذا التصلب هو المرض الذي يموت به الإنسان، لو أن الإنسان نجا من كل الأمراض من دون استثناء كيف يموت؟
بتصلب الشرايين، زيت الزيتون يمد بعمر الشرايين إلى سنوات طويلة
فلذلك الأبحاث الآن عن زيت الزيتون لا يقدر بثمن
وهناك أسر ثقافتها الغذائية عالية جداً لا تستخدم من الدهون إلا زيت الزيتون حصرا
وتستغني عن السمن الحيواني
التصحر من الفساد في الأرض
قطع الأشجار إفساد للبيئة
قال تعالى
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا
[ سورة البقرة : 205]
مثلاً حينما تحول غوطة دمشق الغناء الفريدة في العالم إلى معامل، وصحراء من الإسمنت
ومنطقة أخرى كالصحراء في الطريق الغربي من دمشق بالأساس هي صحراء، لو أننا أنشأنا الأبنية في أماكن صحراوية
وتركنا الغوطة كما هي لكنا في حال آخر، لذلك قضية البيئة قضية خطيرة جداً
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
[ سورة البقرة : 205]
وجه بعضهم هذه الآية إلى اقتلاع الأشجار، وفي حديث آخر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ ))
[أبو داود بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ]
قطع شجرة
النهي النبوي عن قطع الأشجار المثمرة
وهناك نهي نبوي كبير، لا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة
كنت في بلد أوربي لفت نظري أن هناك أشجاراً عملاقة، الشوارع تصمم وفق الأشجار، ينحرف الشارع يمنة أو يسرة
أو ينشطر إلى شطرين لإبقاء هذه الشجرة كما هي، الحفاظ على الأشجار حضارة، والحفاظ على الأشجار دين،
والعناية بها عمل صالح، لا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة،ولا بعيراً إلا لمأكلة
أي هذا الذي يهوى الصيد ـ أنا الآن لا أذكر حكم الصيد، موضوع آخر ـ لكن يصطاد
هذه الطيور وتموت طبعاً يلقيها في المهملات، حقق هواية الصيد، لذلك
من اصطاد عصفوراً لغير مأكلة أتى يوم القيامة وله دوي كدوي النحل يقول: يا رب سله لمَ قتلني؟
الصيد مشروع لا كهواية ولكن إذا كنت مسافراً، وأنت مضطر إلى أن تأكل لا عليك أن تصطاد طيراً لتأكله،
أما الصيد للصيد، لتحقيق هواية الصيد، أن تأتي بعشرات الطيور الفريدة أحياناً والنافعة تلقيها في المهملات
وقد حققت هذه الهواية هذا شيء مرفوض، الدليل
من اصطاد عصفوراً لغير مأكلة أتى يوم القيامة وله دوي كدوي النحل يقول يا رب سله لمَ قتلني؟
توجيهات للحفاظ على المياه
عدم تلويث الماء بالبول فيه
هذا عن الصيد و عن الحفاظ على البيئة النباتية، والحيوانية، فماذا عن المياه؟ يقول النبي عليه الصلاة والسلام
(( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ))
[مسلم والنسائي، واللفظ للنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
هذا الماء نتطهر به فالذي يبول، أنا أذكر في الخمسينات أن نهر يزيد معظم هذا الحي يشرب منه، كيف يشربون؟
كان هناك ورع لا أحد يبول فيه، لا أحد يرسل مياهه المالحة فيه، فكان نهراً مباركاً، الآن نهر أسود اللون،
أي كلما ارتقى فهم الناس لهذا الدين يعتنون بالمياه، يحافظون عليها،
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يبال في الماء الجاري أيضاً، ممنوع أن تبول في الماء الراكد،
وفي الماء الجاري أيضاً، وهناك توجيه آخر للنبي الكريم
(( لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ : كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا ))
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
لو أن إنسانة تريد أن تغسل ابنها وهناك وعاء ماء ساخن ينبغي ألا تضعه في الوعاء، صار الماء مستعملاً،
ينبغي أن تأخذ من هذا الوعاء ماء تصبه عليه، هذا معنى يتناوله تناولا
عدم غمس اليدين في الماء بعد الاستيقاظ
ومن دقائق هذا الشرع العظيم
(( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
ما هذا التوجيه؟ قبل أن تفعل شيئاً ينبغي أن تغسل يديك بعد الاستيقاظ، والله عز وجل يمتن علينا ويقول
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً
[ سورة الفرقان : 48]
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
[ سورة الأنفال : 11]
الماء أكبر نعمة على وجه الأرض
والله قد تفكر في حقيقة الماء، وفي خصائصه، فيقشعر جلدك، الماء لا لون له، لو أن له لوناً
الماء داخل في كل شيء لصار كل شيء بهذا اللون، ولا طعم له ولا رائحة، هذا الماء يتبخر في الدرجة أربع عشرة
لو كان بالمئة إن نظفت البيت في الشتاء لا يجف هذا الماء حتى فصل الصيف
وهو سائل من أعلى أنواع السوائل نفوذاً ينفذ في كل شيء، ولا لون له، ولا رائحة
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
[ سورة الفرقان : الآية 49]
يعد الماء أكبر نعمة على وجه الأرض، لذلك أي تجمع سكني أساسه نبع ماء، ما قيمة هذه المدينة لولا نبع الفيجة؟
هذا النبع حدوده من الفيجة إلى حمص، ومن نصف لبنان إلى سيف البادية،
في لجنة مياه عين الفيجة في الطابق الثالث خارطة لحوض هذا النبع
هذا النبع ينبع من هذه القرية كي تمد هذه المدينة بالماء
أحياناً في كل ثانية بالموسم تقريباً غزارته تقدر بأربعين متراً مكعباً وقد تنخفض هذه النسبة إلى أقل من متر في أيام الجفاف،
لكن هذا النبع من آيات الله الدالة على عظمته،
وكأن هذه المدينة الطيبة مدينة فريدة في العالم، تشرب الماء بلا ثمن، عندك صنبور في البيت،
فيه من هذا النبع، تشرب منه مطمئناً، وهو من أجود أنواع المياه
عدم الشرب في فم السقاء
وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يشرب من السقاء لأن ذلك يُنْتِنه، هناك وعاء ماء ينبغي أن تصب الماء بكأس،
وأن تشرب من الكأس، أما أن تشرب من الإناء مباشرة فهذا يفسد الصحة،
لذلك يقول الأطباء: الأنفلونزا والد فتريا والتيفوئيد والسيلان والزهري هذه الأمراض تنتقل عن طريق الشفتين واللعاب
(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ ))
[متفق عليه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
اختناث الأسقية أن تشرب من السقاء مباشرة من دون أن تصب في كأس،
وكان النبي عليه الصلاة والسلام له كأس من الخشب يشرب فيه في البيت هو والسيدة عائشة
تغطية أواني الطعام وسقاء الماء
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام
غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ
[ متفق عليه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]
حديث آخر يلفت النظر
(( اتقوا الذر ـ الغبار ـ فإن منه النسمة ))
أيْ المرض، ثبت أن الغبار يحمل الجراثيم، فكلما ابتعدنا عن الغبار وعن مسببات الغبار كنا في حالة أطيب
إماطة الأذى عن الطريق
وفي حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام
:
الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
أيها الأخوة الكرام، كم من حادث سير سببه حجر في الطريق، كم من سائق شاحنة يصلح عجلته ويضع وراء العجلة حجراً ويمشي ويتابع المشي
حجر كبير في نصف الطريق قد يسبب موت خمسة أشخاص، لذلك
(( إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
أجر من أماط الأذى عن الطريق
والله أنا أعرف أناساً يقفون ويزيحون هذا الحجر على طرف الطريق، ولهم أجر كبير
(( مَنْ أَمَاطَ أَذًى عَنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ كُتِبَ لَه حَسَنَةٌ ))
[الجامع الصغير عن معقل بن يسار بسند صحيح]
حديث آخر
((إن المؤمن ليؤجر في إماطته الأذى عن الطريق))
[حديث حسن عن أنس بن مالك]
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام
(( من سمى الله، ورفع حجراً أو شجراً أو عظماً من طريق الناس مشى وقد زحزح نفسه عن النار ))
[الجامع الصغير عن عائشة بسند صحيح]
كلها أعمال صالحة، أحياناً قشرة فاكهة تسبب كسراً في عنق الفخذ، وهذا أصعب كسر عند المتقدمين بالسن،
أكل فاكهة ورمى بالقشرة في الطريق، يمشي شيخ كبير بالسن داس على القشرة فوقع فانكسر عنق الفخذ عند الحوض،
هذا أخطر كسر يصيب المتقدمين بالسن، وقد يسبب عاهة دائمة، وقد يسبب استخدام العكاز
(( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
أقوال النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام
(( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
وفي حديث آخر
إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟
قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ
[ متفق عليه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
التلوث الذي أصاب الحياة البشرية ورد ذكره في القرآن بشكل مجمل
فساد البيئة، فساد الماء، فساد الهواء، فساد الأخلاق، هذا التلوث الذي أصاب الحياة البشرية المعاصرة
جاء ذكره في القرآن بشكل مجمل، قال تعالى
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
[ سورة البقرة : 205]
إخوتي الكرام، أما البحر
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
[ سورة النحل : 14]
والآن كل حين نسمع بباخرة نفط غرقت فانتشرت بقعة نفط تغطي مئات الكيلومترات
وهذه لا تزول إلا بجهود جبارة وبأموال فلكية، لذلك
((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ))
[الترمذي عن سعدٍ رضي الله عنه ]
(( اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ ))
[ أبو داود، ابن ماجه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]
الذي يقضي حاجة في ظل شجرة، أو على قارعة الطريق، أو في الماء، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام
(( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ))
[مسلم والنسائي، واللفظ للنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم،
و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، و سيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت
و العاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني
* * *
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله
صاحب الخلق العظيم
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تحريم الإسراف و التبذير
أيها الأخوة، العلماء فرقوا بين الإسراف وبين التبذير، الإسراف في المباحات
والتبذير في المعاصي أي المبالغة في المعاصي، الإسراف والتبذير محرمان، لذلك قال تعالى
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
[ سورة الفرقان : 67]
وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
[ سورة الأنعام : 141]
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
[ سورة الإسراء : 27]
لذلك النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ
(( مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ ))
[ أحمد وابن ماجه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]
الشام تستهلك في اليوم سبعمئة وخمسين ألف متر مكعب يومياً، إنتاج النبع تقريباً خمسمئة ألف، نحن في عجز،
مئتان وخمسون ألف متر مكعب كل يوم، هل تصدق أنك إذا ضبطت الصنابير في البيت،
وتوضأت بنصف كمية الماء ـ كل واحد منا قادر أن يوفر باليوم نصف متر مربع، والأمر يتم بأعلى درجة ـ لاستغنينا عن هذا العجز اليومي في الماء
حدثني مدير الكهرباء قال لي: لو أطفأ كل مواطن بلورة واحدة من فئة المئة واط لاستغنينا عن مولدة ثمنها
خمسمئة مليون دولار، واستهلاكها من النفط خمسمئة مليون دولار
أكثر البيوت غرف كثيرة مضاءة ولا يوجد فيها أحد، لذلك التوفير وترشيد الاستهلاك إيمان حضارة
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله عز وجل أن تكون هذه الخطبة المتعلقة بالبيئة، والمتعلقة بالماء، والكهرباء
والحاجات الأساسية أن تكون منهجاً لنا في حياتنا، فلعل الله يرحمنا
أنت لا تقل: أنا ماذا أفعل إذا أنفقت المال باعتدال؟ أنت لم تفعل شيئاً لكن أديت ما عليك
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت،
وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت،
ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك،
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا
واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر
مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان
وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين
و الحمد لله رب العالمين