7 févr. 2014

الرشوة


الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده

الرشوة تؤدي إلى اختلال ميزان العدالة في المجتمع، وإحداث خلل فيه، ثم ضياعه فانهياره

إن تفشي ظاهرة الرشوة في أي مجتمع من المجتمعات مُؤْذِنٌ بتدمير أخلاقيات هذا المجتمع وقيمه وتُفقِد الثقة بين أفراده،
وتؤدي الرشوة إلى عدم المبالاة والتسيب وعدم الولاء والانتماء والإحباط في العمل وكل هذا يعتبر عقبة أمام عملية التنمية
وما تتطلبه من جهد بشري أمين، فيه تعاون من الجميع

فإذا فشت الرشوة في أمة من الأمم واسْتَمْرَأ الناس تعاطيَها فاعلم أن الضمائر قد ماتت، وأن نظام الأمة قد قُوِّض

الرشوة في الإسلام محرمة بأيةِ صورة كانت، وبأي اسم سميت، سواء أسميت هدية أم مكافأة، 
فالأسماء لا تغير من الحقائق شيئًا الهدايا التي تقدم للموظفين من الرعية، تعد رشوة مقنعة 

الرشوة حرام بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا
إن من طرق اكتساب المال الذي حرمته شريعتنا تحريمًا جازما الرشوة، أخذًا وإعطاءً وتوسطًا،
وذلك لخطرها الكبير على المجتمعات الإنسانية، فهي من أشدّ الأمراض الاجتماعية فتكًا بالأمم،
فهي تفتك بالمجتمع فتكًا ذريعًا، وتهدر أخلاق الأمة وكيانها وتعود عليها بالوبال والدمار في الأسر والمجتمعات والأفراد والمال في الدنيا ويوم العرض على الكبير المتعال

الرشوة سبب مباشر لعدم إجابة الدعاء، لأن الحرام يوصد أبواب السماء أمام الداعي !!
وفي صحيح مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم " الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب،
وطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟!". 

وصية بالسعي لطلب الرزق الحلال

لقد أمرنا الله تعالى بالسعي لطلب الرزق الحلال في كثير من آيات القرآن الكريم

قال الله تبارك و تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ "
سورة البقرة الآية: 267

وقال سبحانه و تعالى " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
سورة الجمعة الآية: 10

وقال جلَّ شأنه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ "
سورة البقرة الآية: 172

وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الرزق الحلال

فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزمة الحطب على ظهره فيبعيها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "
{البخاري: 1471}

وروى البخاري عن المقدام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده "
{البخاري حديث 2072}

عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة.
فلما قدم قال هذا لكم وهذا لي أهدي لي
قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول
هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا
والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه
بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه
ثم قال: اللهم هل بلغت مرتين


ومن أقبح وأخسِّ الأساليب الملتوية للحصول على الرشوة: تعطيلُ مصالح الناس والتسويف في إنجازها إلى أن يتم أخذ الرشوة،
وفي ذلك خيانة للأمانة التي يقول الله تبارك تعالى فيها

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {27} وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ "
 سورة الأنفال الآيات: 28،27

وهكذا تضيع الأمانات بسبب الرشوة، وتؤكل بسببها أموال الناس بالباطل
فتتحول الأعمال الشريفة إلى أعمال لصوصية، كرشوة المسؤولين في مشاريع الدولة العمرانية من قبل بعض أصحاب الأعمال،
وكرشوة بعض المشرفين على الأعمال من أجل التقصير بالعمل وعدم تنفيذ الشروط المبرمة بالعقود،
وعدم الوفاء بما عليها من التزامات، فالمرتشي يخون الأمانة التي عُهِدَ بها إليه، ويمنع الحق عن صاحبه،
ويشجع على ضياع الذمم، وخراب الضمائر وإهدار الشرف والكرامة

والراشي كذلك يساعد المرتشي على أموال الناس بالباطل، وينمي فيه الخلق السيئ، وييسر له التحكم فيما هو حق لغيره،
ويستحل ما ليس له، ومن أجل هذا كان الراشي والمرتشي ملعونين على لسان نبينا الكريم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعنةُ اللهِ على الراشِي والمرتَشِي " ( سنن ابن ماجة )، أي: الآخذ والمعطي.



جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحذر من الرشوة ومن أكل أموال الناس بالباطل

قال الله تبارك و تعالى  " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ  "
سورة البقرة. الآية 188
أي : لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام، أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم

وعن أبى أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
" من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا "

وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم "
رواه الترمذى وحسنه وابن حبان في "صحيحه " والحاكم ، وزادوا : "والرائش " 

وعن عبد الله بن عمرو، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لعنة الله علي الراشي والمرتشي "


ومن الآثار قال ابن مسعود رضي الله عنه : " الرشوة في الحكم كفر ، وهي بين الناس سحت "
وعنه رضي الله عنه، قال: " السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضي فيهدي إليك هدية فتقبلها منه "

وأول واقعه هدية بمعنى الرشوة في الكون ذكرها القرآن في قوله عز وجل على لسان نبيه سليمان عليه السلام 
عندما أرسلت إليه بلقيس بهدية لتحول دون غزوه لها ولمملكتها فغضب سليمان عليه السلام وقال راداً على إرسالها الهدية

 " فلما جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ "
سورة النمل الآية: 36

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يعصمنا جميعًا من المكاسب الخبيثة
وأن يرزقنا الصدقَ في الأقوال والأعمال، وأن يهدي موظفينا ومسؤولينا إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد


اللهم تقبل مني هذا العمل خالصا لوجهك الكريم و ارزقني الإخلاص في النية و العمل
اللهم صل و سلم على نبينا و رسولنا محمد سيد المرسلين و على آل بيته و صحابته أجمعين. آمين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire: